سورة المرسلات - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المرسلات)


        


{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)}
{إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ (22)} إلى مقدار من الوقت معلوم قد علمه الله وحكم به: وهو تسعة الأشهر، أو ما دونها، أو ما فوقها {فَقَدَرْنَا} فقدّرنا ذلك تقديراً {فَنِعْمَ القادرون} فنعم المقدّرون له نحن. أو فقدرنا على ذلك فنعم القدرون عليه نحن؛ والأوّل أولى لقراءة من قرأ {فقدّرنا} بالتشديد ولقوله {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس: 19].


{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)}
الكفات: من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه: وهو اسم ما يكفت، كقولهم: الضمام والجماع لما يضم ويجمع، يقال: هذا الباب جماع الأبواب، وبه انتصب {أَحْيَآءً وأمواتا} كأنه قيل: كافتة أحياء وأمواتاً. وبفعل مضمر يدل عليه وهو تكفت. والمعنى: تكفت أحياء على ظهرها، وأمواتاً في بطنها. وقد استدل بعض أصحاب الشافعي رحمه الله على قطع النباش بأنّ الله تعالى جعل الأرض كفاتاً للأموات، فكان بطنها حرزاً لهم؛ فالنباش سارق من الحرز.
فإن قلت: لم قيل أحياء وأمواتاً على التنكير، وهي كفات الأحياء والأموات جميعاً؟ قلت: هو من تنكير التفخيم، كأنه قيل: تكفت أحياء لا يعدون وأمواتاً لا يحصرون، على أنّ أحياء الإنس وأمواتهم ليسوا بجميع الأحياء والأموات. ويجوز أن يكون المعنى: تكفتكم أحياء وأمواتاً، فينتصبا على الحال من الضمير؛ لأنه قد علم أنها كفات الإنس.
فإن قلت: فالتنكير في {رواسى شامخات} و{مَّآءً فُرَاتاً}؟ قلت: يحتمل إفادة التبعيض؛ لأنّ في السماء جبالا قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} [النور: 43]، وفيها ماء فرات أيضاً، بل هي معدنه ومصبه، وأن يكون للتفخيم.


{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37)}
أي يقال لهم: انطلقوا إلى ما كذبتم به من العذاب، وانطلقوا الثاني تكرير. وقرئ: {انطلقوا} على لفظ الماضي إخباراً بعد الأمر عن عملهم بموجبه، لأنهم مضطرون إليه لا يستطيعون امتناعاً منه {إلى ظِلٍّ} يعني دخان جهنم، كقوله: {وظل من يحموم} [الواقعة: 43] {ذِى ثلاث شُعَبٍ} بتشعب لعظمه ثلاث شعب، وهكذا الدخان العظيم تراه يتفرق ذوائب. وقيل: يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كالسرادق، ويتشعب من دخانها ثلاث شعب، فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم؛ والمؤمنون في ظل العرش {لاَّ ظَلِيلٍ} تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين {وَلاَ يُغْنِى} في محل الجر، أي: وغير مغن عنهم من حرّ اللهب شيئاً {بِشَرَرٍ} وقرئ: {بشرار} {كالقصر} أي كل شررة كالقصر من القصور في عظمها. وقيل: هو الغليظ من الشجر، الواحدة قصرة، نحو: جمرة وجمر. وقرئ {كالقصر} بفتحتين: وهي أعناق الإبل، أو أعناق النخل، نحو شجرة وشجر.
وقرأ ابن مسعود: كالقصر بمعنى القصور، كرهن ورهن.
وقرأ سعيد ابن جبير {كالقصر} في جمع قصرة، كحاجة وحوج {جمالة} جمع جمال. أو جمالة جمع جمل؛ شبهت بالقصور، ثم بالجمال لبيان التشبيه. ألا تراهم يشبهون الإبل بالأفدان والمجادل. وقرئ: {جمالات} بالضم: وهي قلوس الجسور. وقيل: قلوس سفن البحر، الواحدة جمالة وقرئ {جمالة} بالكسر، بمعنى: جمال وجمالة بالضم: وهي القلس.
وقيل {صُفْرٌ} لإرادة الجنس.
وقيل {صُفْرٌ} سود تضرب إلى الصفرة. وفي شعر عمران ابن حطان الخارجي:
دَعَتْهُمْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا وَرَمَتْهُمُ *** بِمِثْلِ الْجِمَالِ الصُّفْرِ نَزْاعَةُ الشِّوَى
وقال أبو العلاء:
حَمْرَاءُ سَاطِعَةُ الذَّوَائِبِ في الدُّجَى *** تَرْمِى بِكلِّ شَرَارَةٍ كَطِرَافِ
فشبهها بالطراف وهو بيت الأدم في العظم والحمرة، وكأنه قصد بخبثه: أن يزيد على تشبيه القرآن ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله {حمراء} توطئة لها ومناداة عليها، وتنبيها للسامعين على مكانها، ولقد عمي: جمع الله له عمى الدارين عن قوله عز وعلا، {كأنه جمالات صفر}؛ فإنه بمنزلة قوله: كبيت أحمر؛ وعلى أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيها من جهتين: من جهة العظم، ومن جهة الطول في الهواء، وفي التشبيه بالجمالات وهي القلوس: تشبيه من ثلاث جهات: من جهة العظم والطول والصفرة، فأبعد الله إغرابه في طرافه وما نفخ شدقيه من استطرافه.
قرئ بنصب {اليوم} ونصبه الأعمش، أي: هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ، ويوم القيامة طويل ذو مواطن ومواقيت: ينطقون في وقت ولا ينطقون في وقت؛ ولذلك ورد الأمران في القرآن. أو جعل نطقهم كلا نطق؛ لأنه لا ينفع ولا يسمع {فَيَعْتَذِرُونَ} عطف على {يُؤْذَنُ} منخرط في سلك النفي. والمعنى: ولا يكون لهم إذن واعتذار متعقب له، من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن ولو نصب لكان مسبباً عنه لا محالة.

1 | 2 | 3